وصلتنى رسالة من د.مدحت مريد صادق، الأستاذ بعلوم أسيوط يوضح فيها الجوانب الإيجابية لموضوع الجودة فى الجامعات رداً على ما نشرته من سلبيات سردها أستاذ فى علوم الفيوم، أجد فى نشر رسالته زاوية رؤية أخرى متفائلة لا بد أن يطلع عليها القارئ والمسئولون فى الجامعات لعل منظومة التعليم العالى ينصلح حالها، كتب د.مدحت: أولاً: كفلت الجودة للطالب -بعد ظهور نتيجة الامتحان- أن يطلع على كراسة إجابته فى حضور أستاذ المادة ووكيل الكلية ورئيس الكنترول على الأقل. ولعلها المرة الأولى التى ينزل فيها الأستاذ من عليائه إلى مصاف من تجوز مراجعتهم، وحتى إذا لم تسفر معظم المراجعات عن تغيير النتيجة، فإن الأثر غير المباشر لها هو شعور الأستاذ بأن سمعته بين زملائه وطلابه أصبحت على المحك، وأن حريته لم تعد مطلقة، وإهماله أو تجاوزه قد يكتشفان، وهو مكسب كبير إذا قورن بشعور عضو هيئة التدريس قبل الجودة بأنه نصف إله. ثانياً: قبل الجودة كان عضو هيئة التدريس يتصرف بذهنية مجلس الشعب أيام مبارك، ففيما عدا الامتحان النهائى، كان الأستاذ سيد قراره فى كل شىء، له أن يعطى الطلاب درجات عن أعمال السنة من خياله، أو يمتحنهم إذا شاء، لكن الجودة ألزمت الأستاذ بعقد امتحانين على الأقل خلال الفصل الدراسى، وإعلان نتيجتيهما للطلاب، وفتح أبواب مكتبه لمناقشة الطلاب حول النتيجة. ثالثاً: قبل الجودة كان عضو هيئة التدريس يصوغ امتحاناته كيفما اتفق، فإن شاء وضع أسئلة رشيدة تقيس قدرات الطلاب وتحصيلهم بموضوعية، وإن أراد معاقبة الطلاب، أو حتى مكايدتهم، فليس هناك ما يمنعه، أما بعد الجودة فأوراق الأسئلة يتم فحصها عند نهاية الامتحانات بواسطة ممثلين عن التخصصات المختلفة بالكلية، لمعرفة مدى التزام واضع الأسئلة بمعايير محددة ومعلنة، صحيح أن تنبيه الأستاذ إلى سلبيات امتحانه يتم ودياً، لكنه نوع من الرقابة الداخلية التى تدفع الأستاذ إلى التجويد، على الأقل تجنباً للحرج. رابعاً: مثلت قضية الجودة فرصة انتهزتها الكليات للحصول على دعم مالى استثنائى لتأهيلها، وفى حال كلية العلوم بأسيوط مثلاً تم استغلال هذا الدعم السخى لإحداث تطوير ضخم لمعامل الدراسة الطلابية وتجهيزاتها. خامساً: قبل الجودة كانت علاقة الكلية بالطالب تنتهى بتخرجه، وعلاقتها بالمجتمع غائبة. لكن الجودة فرضت على الكلية فتح قنوات اتصال مع الخريجين ومع المجتمع، وهو ما بات يحدث بالفعل، حيث تتواصل الكلية مع المؤسسات الصناعية فى محيطها، كمصانع الأسمنت والأسمدة والأدوية وغيرها، وأصبحت اللقاءات الدورية بين هذه المؤسسات وبين الطلاب والخريجين، لمعرفة ما ينشده كل فى الآخر، نشاطاً معتاداً، كما استحدثت بالكلية تخصصات تميل إلى الجانب التطبيقى لتقريب خريجيها من سوق العمل، مع عدم الإخلال بالطبع بالدور الأصلى لكلية العلوم كصرح للعلوم الأساسية، كذلك أنشئت بالكلية مراكز لتقديم الخبرة والمشورة العلمية لمن يرغب فيها من خارج الكلية. إن هذه التطورات -على بساطتها- يمكن أن يكون لها مردود إذا حافظنا وبنينا عليها. ولا أزعم بالطبع أن الجودة نقلت كلياتنا إلى مصاف المعاهد العلمية الدولية، فقط أتحدث عن حد أدنى من المكتسبات التى تحققت بالفعل، والتى يتوجب علينا العمل على تعظيمها، أما السخط على «الجودة» بحجة أنها لم تتمكن من إصلاح الضمائر السقيمة، فهو تحميل للجودة فوق طاقتها، كما أن تصوير الجودة على أنها برمتها مجرد تمثيلية تواطأ عليها الجميع، أو هى «سبوبة»، أو «أكل عيش» كما يحلو للبعض أن يصور أى شىء لا يعجبه، هو تصوير غير دقيق وما أشار إليه الزميل العزيز حول شكلية الاستبيانات وتستيف الأوراق، فهو ليس عيب الجودة بقدر ما هو نتاج للبيروقراطية المتجذرة فى تاريخنا، فضلاً عن كونه مظهراً لاعتلال الضمير والأخلاق، وبالتالى لن يعالج إلا بإصلاح جذرى للمنظومة الثقافية والقيمية للمجتمع. يبقى التنويه إلى أننى لا أتولى أى منصب فى كليتى، ومن ثم لا أتحدث من موقع المسئول الذى يسعى إلى تجميل الأمور، بل أحاول تقييم المسألة بموضوعية. يكفى أن الجودة قد حركت المياه الراكدة، وبقى علينا أن نخلص ونعمل، لأن الطريق لم يزل طويلاً.. طويلاً جداً، خصوصاً فيما يتصل بمستوى البحث العلمى.